الشرق للأبحاث التربوية والاجتماعية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفكر التربوي لباولو فيريري

اذهب الى الأسفل

الفكر التربوي لباولو فيريري Empty الفكر التربوي لباولو فيريري

مُساهمة  Admin الإثنين ديسمبر 03, 2007 3:10 pm

المقدمــة
يتناول هذا البحث المفكر التربوي البرازيلي " باولو فريري " الذي يعد نموذجا وطنيا واجتماعيا وسياسيا وتربويا من العالم الثالث وقد سعي هذا الرجل إلي القضاء علي الأمية وتعليم الكبار وإخراجهم من عالم القهر والظلم الواقع عليهم من خلال ثقافة الصمت إلي عالم الحرية التي يكون الحوار أحد أهم محاورها وتصبح لغة الحوار سلاح الحرية في مواجهة مناهج ثقافة الصمت الذي تعتمد علي نظام التعليم البنكي الذي يجعل المتعلمين قوالب مكرره من البشر تساهم في تكديس الوضع القائم ، ثم يتناول البحث كيف يتحول هذا المنهج الحواري إلي خلق حالة من الوعي النقدي الذي يتميز بالعمق في تفسير المشكلات التي يعيشها هؤلاء المقهورين في ظل ثقافة الصمت وهذا الوعي يجعل هؤلاء المقهورين ينتفضون علي واقع ثقافة الصمت التي يفرضها القاهرون بتحكمهم في مدارسهم وسائر المؤسسات التي تشكل وعي المجتمع وجعل المجتمع قادرا علي الفعل الايجابي في الواقع الذي يعيشون فيه ، وأخيرا يتناول البحث تجربة عملية لدولة بيرو طبق فيها منهج باولو فريري التربوي ، وفي الخاتمة يتناول البحث كيفية الاستفادة من فكر باولو فريري التربوي في محو الأمية في وطننا العربي الذي تمثل الأمية ثلث سكانه .
( كل ما لدي رغبة واحدة فقط هي أن يتوافق تفكيري تاريخيا مع قلق أولئك الذين يكافحون للاستحواذ علي صوتهم الخاص ، سواء كانوا يعيشون في ثقافة الصمت الكلية أو في القطاعات الصامتة في الثقافة التي تفرض صوتها علي الآخرين )
أردت أن ابدأ البحث بهذه الكلمات لباولو فريري الذي يمثل صوت من العالم الثالث الذي يعاني من القهر وثقافة الصمت والتي تفرض علي فقراء ومقهوري هذا العالم والذي سعي هذا الإنسان المناضل إلي كسرها وإيجاد لغة للحوار والتحرير .
نشأة باولو فريري
ولد باولو فريري في 19 / 9 / 1921 في مدينة ريسيف والتي تقع شمال شرق البرازيل من أب وأم ينتميان للطبقة الوسطي لكنهم كانوا يعانيان من مشاكل مادية نتيجة الركود الاقتصادي في هذا الوقت وهذا الأمر جعل باولو فريري يعيش الفقر والجوع منذ نعومة أظافره ، وبعد تحسن الظروف الاقتصادية استطاع باولو فريري الالتحاق بكلية الحقوق بجامعة ريسيف وفي الجامعة درس باولو فريري الفلسفة وعلم النفس بجانب دراسة القانون وتعرض في قراءاته لأعمال ماركس التي أثرت تأثيرا كبيرا في فلسفته التعليمية .
وفي الفترة من عام 1948 إلي عام 1960 عمل باولو فريري في مجال تعليم الكبار وتدريب العمال وهذا المجال هو الذي كرس له حياته التالية فصار السمة المميزة لفلسفته وكتاباته بقية حياته ، وفي عام 1959 حصل باولو فريري علي شهادة الدكتوراة من جامعة ريسيف وعمل مدرسا لتاريخ وفلسفة التربية في نفس الجامعة وعين عام 1962 منسقا لمشروع محو أمية الكبار في نفس المدينة ، وبدأ في تنفيذ ما سمي ( بنظام حلقات الثقافة ) كأسلوب وطريقة لمحو الأمية واعتمد فيها أساسا علي لقاءات مع المثقفين والمهمومين بهموم الفقراء والمتخصصين في مجالات مختلفة ثقافية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية ثم عقد لقاءات مع الأمين أنفسهم لمناقشة أوضاعهم وتصوراتهم عن حلول لمشكلاتهم وتتلازم عملية محو الأمية مع المناقشة أي أن دور المشاركين في هذا المشروع لا يقتصر علي تعليم القراءة والكتابة فقط بل يتعلموا أن يطرحوا تساؤلات وحلول .
وقد عبر باولو فريري عن ذلك في مقولته ( أنه يمكن منح المتعلمين سلطة من خلال المعرفة التي يتلقونها ) ونجد أن نجاح باولو فريري في تعليم الكبار قد حظي باعتراف عالمي دفع الحكومة الثورية في البرازيل لاختياره عام 1963 رئيسا للمجلس القومي للثقافة الشعبية مما مكنه من الاحتكاك المباشر بفقراء الحضر وبدأ في بلورة طريقته الخاصة في التواصل معهم من خلال برامج تعليم الكبار القائمة علي الحوار والتي تهدف لإعداد العاملين لكي يصبحوا عمالا راضيين عن أنفسهم قادرين علي إشباع متطلبات السوق .
وكان رأي باولو فريري أن الحكومة الغاشية وأصحاب الأراضي الزراعية كانوا يخشون شيئا ما وهو أن الفلاحون أثناء تعلمهم القراءة يبدأون في الاعتماد علي أنفسهم والتحدث عن الحرية والتساؤل حول التوزيع الغير عادل للملكية والمطالبة بالمشاركة السياسية مما جعل عملاء السلطة عام 1964 يدركوا بأن نهوض الطبقات الشعبية يمثل تهديدا لهم مما جعل المجلس العسكري يحدث انقلابا ويتولى الحكم في البرازيل واعتبر باولو فريري محرضا سياسيا خطرا علي النظام فاعتقل في السجن لمدة 70 يوما واعتبره عدوا للرب ثم نفي لمدة 15 عاما خارج وطنه .
وخلال فترة النفي التي استمرت لمدة 15 عاما قضي باولو فريري فترة قصيرة في بوليفيا ثم انتقل إلي شيلي حيث قضي هناك خمسة سنوات عمل خلالها في عدد من المنظمات التي تعمل في إطار حركة الإصلاح الديموقراطي حتى عام 1969 حيث عمل بالتدريس في جامعة هارفورد في مجال التعليم والتنمية والتغير الاجتماعي وقد أتاحت له الفترة التي قضاها في أمريكا أن يوسع مفهومه عن العالم الثالث من المعني الجغرافي إلي المغزى السياسي وذلك حيث اطلع علي ما تعانيه الأقليات في أمريكا من ألوان القهر .
ثم انتقل إلي جنيف حيث عمل في قسم التعليم بالمجلس الأعلى للكنائس وطاف العالم حيث قام بزيارة كلا من نيكارجوا – استراليا – بيرو – شيلي - ....... حيث عمل بالتدريس بها ووضع النظم التعليمية وكانت أهم محطاته بعد أمريكا غينيا بيساو 1975 حيث عمل مستشارا لحكومتها الثورية في مجال تعليم الكبار وأثمرت هذه الرحلة عن كتابه ( ممارسة التعليم . رسائل إلي غينيا بيساو ) .
وفي عام 1979 سمحت له الحكومة البرازيلية بالعودة من منفاه حيث التحق بالعمل في جامعة ساو باولو ، وفي عام 1988 عين كوزير للتعليم في مدينة ساو باولو مما أتاح له الإشراف علي برامج الإصلاح التعليمي في ثلث مدارس البرازيل .
فعلي الرغم من صعوبة المهمة فكانت ساو باولو مثالا رائعا للتناقضات الاجتماعية فهي قد تعد مدينة غنية من مدن العالم المتقدم أو مدينة فقيرة من مدن العالم الثالث ويوجد في ضواحيها حيث يقع معظم المدارس كم هائل من البؤس والقهر والاستغلال لكن باولو فريري قبل هذا المنصب وسعى إلي تحقيق أفكاره حتى وافته المنية في 2 مايو عام 1997 .
ونجد أن عقلية باولو فريري وفكره قد تأثر بالعديد من القيادات الراديكالية داخل وخارج البلاد فلا يمكن إغفال تأثر باولو فريري بكل من ماركس ولينين و جيفارا وكاسترو و سارتر والمناضل الأسود فانون بجانب تأثره بآراء البابا يوحنا الثالث والعشرين بابا الفاتيكان من عام 1961 إلي عام 1963 الذي أيد فكرة الاشتراكية .
فبجانب التيار الذي ساد البرازيل في ذلك الوقت والذي كان يدعو لثقافة قومية أصيلة نجد أن الوضع العالمي وقتها كان يمثل فترة صعود لعديد من دول العالم الثالث التي تدعو إلي التحرر الوطني والبحث عن هوية مستقلة في مواجهة الإمبريالية فكانت ثورة عام 1959 في كوبا ونجاحها الباهر في تجربة محو الأمية في خلال عام مما قوي تأثير باولو فريري بجيفارا واعتباره مثلا للمناضل الثوري .
وأفضل مما سبقوا يأتي المسيح كأعظم تربوي أثر في باولو فريري حيث كان الترابط القوي بين أقواله وأفعاله وكونه محبا والذي دفعه للاقتضاء بماركس .
هذه العوامل السابقة ساعدت في ثقل فكر تلك العقلية التي حملت علي عاتقها مواجهة سياسة القهر في التعليم والسياسات التي يتبناها القاهرون وعرض نظريته للعمل الثوري الذي يعتمد علي الحوار في التغير والتحرر من الظلم والقهر .
مجتمـع القهـر
ونجد أن مجتمع القهر لا يؤمن بأسلوب الحوار حيث لا يهدف من وراء علاقاته مع الأخريين إلا هزيمتهم بكل الوسائل المتاحة لذلك نجد أن الجماعة أو المؤسسة القاهرة تعمل علي تضليل الغالبية المقهورة بخلق أحساس خرافي بالعالم حيث يقدمون للمقهورين عالما من الخداع يزيد من سلبيتهم ويدفعهم للتأقلم مع الأمر الواقع مقتنعين بأنه يستعصي تغير هذا العالم والأشد من ذلك هو أن يقدم القاهرون فكرة أن المجتمعي القهري هو مجتمع الحرية حيث كل الناس أحرار وتضليل المقهورين وإقناعهم بشيء مختلف .
ومن بين أساليب القهر التي تمارسها الجماعات القاهرة سياسة فرق تسد وتتجلي في تصرفات الطبقة الحاكمة أو المتسلطة في تدخلها في العمل النقابي مؤيدة بعض المرشحين الذين يمثلون مصالحها وإدراج مفاهيم الوحدة والتنظيم والنضال تحت قائمة الأعمال الخطرة وبجانب ما سبق من أساليب القهر يأتي الغزو الثقافي من قبل القاهرين للمقهورين فهو أداة للسيطرة والقهر ونعني هنا بالغزو الثقافي اختراق القاهرين للواقع الثقافي للمجتمع متجاهلين إمكانيات هذا الواقع من أجل فرض تصورهم الخاص بهم وتصبح مؤسسات المجتمع المختلفة أداة في يد النظام القهري من أجل فرض تصورهم القائم في معظم الأحيان علي خرافات وأساطير كفيلة بأن تقنع المقهورين بأن الخطأ فيهم ذاتهم وأن عليهم أن يتكيفوا مع الواقع وبالتالي تكون المدارس كأحد مؤسسات المجتمع بمثابة خرافات القاهرين في المستقبل .
وهنا يجب أن نوضح أن مجتمع القهر لا ينطبق علي دول العالم الثالث فقط بل إننا نجد أنه في أمريكا نفسها كانت تعاني الأقليات لوقت قريب بها من القهر بل ومازالت ألوان القهر حتى الآن ولكن بصورة مختلفة حيث أن المجتمع المتقدم أخذ الآن يحول الأفراد إلي مجرد أشياء وبذكاء باهر يبرمج هؤلاء ليتوافقوا مع منطيه فأصبحوا منغمسين في ثقافة الصمت .
ثقافـة الحـوار
في البداية نتكلم عن ثقافة الصمت والتي يعد التعليم البنكي من أهم سماتها والذي يعد في جوهره أحد أهم أسلحة القهر في المجتمع ومما يزيدنا أسفا أن هذا النظام هو السائد في معظم بلدان العالم الثالث ، وفي ظل هذا النظام يفقد الطالب القدرة علي الإبداع ويتحول الطلاب إلي بنوك يقوم الأستاذ فيها بدور المودع ويصبح هو مصدر المعلومات والمودع لها ويصبح الطلاب مستقبلين فقط صابرين مرددين حافظين ما ينطق به المعلم .
أما علي النقيض فإذا انتقلنا إلي فكر باولو فريري الذي يدعو إلي التحرر معتمدا علي الحوار ليكشف الواقع علميا ويقوم بفضح الخرافات والأيدلوجيات المهيمنة ، ونجد أن التعليم الحق هو الذي يسميه باولو فريري بالتعليم الحواري وهو الذي يهدف إلي الحرية فهؤلاء الأميين المقهورين من النظام تكون عملية تعليم القراءة والكتابة كعمل ثقافي من أجل الحرية هي عملية معرفية يأخذ فيها المتعلم دور الذات العارفة في حوار مع المربي وإيجاد نوع من المصالحة بين المعلم والمتعلم وإيجاد جو من التفكير النقدي في عملية القراءة والكتابة مما يجعل الطلاب يمارسون إنسانيتهم كاملة وتكون أرائهم وإسهاماتهم المرتبطة بالواقع الحي فاعلة في العملية التعليمية بدرجة تساعد الأستاذ نفسه علي فهم الواقع أي أن يدخل الأستاذ في علاقة حوارية مع طلابه يكون محورها أرائهم عن العالم ويجب أن يكون ذلك الحوار قائما علي الحب العميق للناس والتواضع والإيمان بالخير وليكن الحب هو أساس الحوار ، ويقول باولو فريري أن عاقبة هذا الحب المنطقية هي الثقة التي تقوي العلاقة بين الأفراد المتعاونين وقد أكد باولو فريري علي ضرورة أن يتبنى المعلم وأصحاب العمل السياسي لغة يفهمها الطلاب والناس والدخول إلي التعليم بطريقة حوارية تكشف عن التصورات المبدعة وتحرك وعي الناس .
وبعد هذا العرض من تعريف بمن هم المقهورين في نظر باولو فريري وكيف يمارس القهر علي المقهورين وكيف يكون الفكر الثوري للخلاص من ذالك القهر يتضح لنا منهك باولو فريري في تعليم الكبار بداية من الثورة علي القهر وصولا إلي الحرية وإلي تمكين المقهورين من مقدراتهم معتمدين علي الحوار الذي يدور في الغالب حول أوضاع المتعلمين المقهورين الحياتية واعتباره كمدخل لتعليمهم القراءة والكتابة ، ويهدف ذلك المنهج الحواري عند باولو فريري إلي إيجاد حالة من الوعي النقدي وهذا ما يمثل قلب منهج التعليم التحريري فيجعل هؤلاء المقهورين ينتقضون الواقع المتمثل في ثقافة الصمت الذي يفرضها عليهم القاهرون بتحكمهم في المدارس وسائر المؤسسات التي تسهم في تشكيل وعي المجتمع مما يجعل المقهورين يشعرون بعدم قدرتهم علي إدارة شئونهم بأنفسهم وبأنهم دائما في حاجة إلي قاهرين حيث يجعل المتعلمون يكتشفوا الأسباب التي تكمن وراء العديد من اتجاهاتهم نحو الواقع وبالتالي يواجهون الواقع بكيفية جديدة ناقدة تتجاوز مجرد إبداء الرأي أثناء عملية الكشف عن عالمهم الذين يعيشون فيه ، ويهدف باولو فريري من ذلك إكساب هؤلاء المقهورين الوعي النقدي الذي يؤدي إلي بث الثقة في نفوسهم وتدفعهم إلي الفعل الايجابي لتغير واقع القهر الذي يعيشونه .
الفكر التربوي عند باولو فريري
سيتناول هذا الفصل طبيعة الجزء طبيعة الفكر التربوي عند باولو فريري ، فالتربية عند باولو فريري تعني هذه العلاقة القائمة بين الذات العارفة في الفعل المعرفي وبين الموضوع الذي يتعين علي الذات العارفة أن تعرفه ، وبين طرف ثالث وهو العلم الذي لا يتوقف عن استمرار إعادة بناء فعله المعرفي من خلال تقديمه الموضوع باعتباره مشكلة وليس من مهامه أن يتحدث فيه أو يسارع في تقديمه علي أنه أمر مفرغ منه وإنما دور إدراكي كعرفة دائم سواء في إعداد ملحوظاته عن درسه أو في حواره مع المتعلمين الكبار وأدارته لهذا الحوار إدارة تضمن أن يقدم من خلال موضوعات يريدها هؤلاء الكبار معرفتها .
معرفة من خلال التفكير النقدي لا معرفة استدعائية ومن ثم يصبح المتعلمين الكبار والمعلم في حالة من الحوار الجدي الناقد وفي هذه الحالة يجد المعلم والمتعلمون أنفسهم في مواجهة تحديات أو مشكلات يشعرون بحتمية مواجهتها في سياقها الكامل الذي أنتجها أي السياق الحواري المرتبط بمواقف حياتية أخرى .
وتتمثل مواجهة المشكلات من قبل المتعلمين الجانب التطبيقي للأفكار والتطبيق العملي للفكر وهذا يعني تلك العلاقة التفاعلية بين الفعل والتفكير والتفكير والفعل ومن هذا التفاعل الديالكتيكي تنتج المعرفة إذن فالمعرفة عند باولو فريري ليست إلا محصلة للتفاعل الحواري الديالكتيكي بين البشر وعالمهم محاولين تغيره إلي الأفضل كما أن المعرفة عنده لا تنقسم عن سياق الموقف ونجد أنه لا تنشأ عملية التفاعل الجدلي إلا أثناء انبثاق عملية الوعي عند جماعة من الناس يقدرون ماذا يفعلون في محاولة منهم للاستجابة للمشكلة أو التحدي وبعد محاولتهم للقيام بالفعل يأتون إلي بعضهم البعض للقيام للتشاور والتحاور فيما قاموا به من محاولات لاتخاذ قرار تجاه المشكلة وهذا التشاور والتحاور في حد ذاته له دلالة خاصة بالتنمية لهؤلاء الكبار الذين وصفهم باولو فريري بأنهم غارقون في ثقافة الصمت .
ويري باولو فريري أن تربية الكبار وتعليمهم لا تتحقق إلا من خلال تفاعل مضطرد بين التفكير والتطبيق ويحذر باولو فريري من التفكير المنفصل عن التطبيق والتطبيق الذي لا يسبقه تفكير ، فالتفكير المنفصل عن التطبيق يؤدي إلي الوقوع في خطر اللفظية والتوقف عندها ، كما أن التطبيق الذي لا يسبقه تفكير لا يعد تربية ولا تعليم مما يؤدي في نهاية المطاف إلي نشاط غير هادف .
أي أنه في النهاية أن يري باولو فريري أن العلاقة بين التفكير والتطبيق علاقة جدلية محصلتها اكتساب تربية وتعليم ومعرفة ثم بعد ذلك وعي بالواقع المعيشي ثم سعي إلي فعل التغير .
ونجد أن باولو فريري يؤكد دائما علي البعد السياسي للتربية والذي يري أنها كانت مهملة حتى وقت قريب ليس بالنسبة لدول العالم الثالث فقط بل بالنسبة لدول العالم المتقدم أيضا وأيد ذلك ما كشف عنه تطبيقه لأفكاره الثورية في تعليم الكبار في عدة أماكن فقيرة في البرازيل حيث أعتبر التربية قوة أساسية وعملية لتحرير الإنسان من القوة القاهرة له وتحقيقا لذلك فإن المقهورين في حاجة شديدة إلي التربية التي تمثل بائل جديدة تغاير ما هو ناقد من نماذج تربوية في سياق المجتمع القهر تلك النماذج التي ظلت تثبت القهر وتدعمه .
ويقول باولو فريري ( أن التعليم إما وسيلة للقهر وإما وسيلة للحرية ) فالتعليم والتربية بطبيعتها منحازة وليست محايدة فهي إما أن تكون من أجل تحقيق التكيف مع أوضاع القهر ومسايرتها وتدعيمها وإما أن تكون من أجل الحرية وتحرير الإنسان من سطوة القهر ، ومن البديهي أن الطرق والوسائل المستخدمة في تربية من أجل تطويع الإنسان لمسايرة القهر لا تصلح ولا تتلاءم مع التربية من أجل الحرية .
وهذه الطبيعة السياسية للتربية عند باولو فريري تتضمن عملية أنسنة الكائن البشري وهي عملية ثورية في الوقت نفسه يري الكاتب " بيتر جارفيس " أن الثورية هنا ليست شعارا يطلق علي صيغة التعليم ولا بفعل الإنسان عارفين فقط بل تجعلهم قادرين علي إدراك ذواتهم العارفة أيضا أو بمعني أخر تجعلهم يعرفون أنهم يعرفون وبالتالي قادرين علي تغير العالم وأنسنته وعملية الأنسنة هذه أو النزعة الإنسانية التي يتضمنها مفهوم التربية عند باولو فريري ليست بالجديدة كل الجدة وإنما هي ناتجة عن تأثير المبادئ المسيحية التقليدية في كتاباته إذ يكتب دائما في الصدق الديني التقليدي للكنيسة وضمنه أبعادا سياسية وثورية .
إذا في النهاية فأن فلسفة باولو فريري التربوية قد تضمنت فلسفة إنسانية عميقة تهدف أساسا إلي تكوين الوعي لدي هؤلاء الأشخاص ، هذا الوعي الذي يشترك فيه مع حركة الوعي القومي أو الثقافة العامة ومفهوم الوعي يصدر عن الملية التي ينجز فيها الناس وعيا عميقا بواقعهم الثقافي والاجتماعي الذي يعيشون فيه ويشكل حياتهم ووعيا عميقا أيضا بإمكانياتهم وقابليتهم لإحداث تغيرات جوهرية في ذلك الواقع وجعله أفضل بالنسبة لهم .
ونجد أن باولو فريري يتحدث عن أخلاق إنسانية عالمية لا تخشي المناورات التي تحول الإشاعة إلي حقيقة وتحول الحقيقة إلي إشاعة ومن أجل هذه الأخلاق التربوية الإنسانية التي لا يمكن أن تنفصل عن الممارسة التربوية يجب أن نناضل سواء كان العمل مع الأطفال أو مع الشباب أو مع الكبار ويؤكد باولو فريري أن أفضل طريق للنضال من أجل هذه الأخلاق هو أن نحياها في عالمنا التربوي وفي علاقاتنا بطلابنا وفي الطريقة التي نتعامل بها مع المحتوي الذي نقوم بتدريسه .
ومن خلال واحد من أهم مؤلفات باولو فريري ألا وهو تربية الحرية نجده قد عرض لبعض الأخلاق التي يجب أن نحياها في عالمنا التربوي وفي علاقاتنا مع الطلاب .
وأول هذه الأخلاق هي الوعي بنقصنا فكوننا معلمين يجب أن نعرف أننا كائن ثقافي وتاريخي ناقص في قلب العالم وواع في الوقت نفسه بنفسه وهذا القص أمرا أساسيا لحالتنا الإنسانية فأينما كانت هناك حياة فهناك نقص وهذا يجعل المعلم يدرك أن قدره ليس مفروضا عليه بل هو في حاجة إلي البناء وبسببه يجب أن يتحمل المسئولية والانخراط مع الأخريين في صنع التاريخ وعدم الاستسلام للركود المقدر ونتيجة لذاك يصبح المستقبل شيئا يجب بناءه عن طريق المحاولة والخطأ .
وثاني تلك الأخلاق هو احترام استقلالية المتعلم ونجد أن تلك المعرفة الأخلاقية تستمد مبادئها من أصولها التربوية التي ناقشنها في الفصول السابقة للبحث فهي المعرفة المتعلقة باحترام استقلالية المتعلم سواء كان طفلا أو شابا أو كبيرا وكمربي يجب أن يذكر نفسه دائما بهذه المعرفة لأنها تتعلق باحترام المربي لذاته ، وهذا الأمر يتصل بقضية المضامين الأخلاقية لكون الإنسان كائنا ناقصا فاحترام استقلالية وكرامة كل شخص أمر حتمي أخلاقيا وليس معروفا نقدمه للأخريين وهذا الاحترام يتمثل في عدم الانتهاك لحقوق الطالب التربوية .

Admin
Admin

المساهمات : 4
تاريخ التسجيل : 01/11/2007

https://sharkedu.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى